الجمعة، 11 مارس 2011

مِنْ رَســائِلِي الْقَدِيمَــة .. إلَى مَرْوَان الغفوري بعدَ قِراءة رِوَايَته (وفـاةُ الرّجلِ الميت)

الْعَزِيز مَرْوَان /

إِنَّ قَارِئَ " وَفَاة الرَّجُل الْمَيِّت " يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْزِمَ مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى بِأَنَّ مَرْوَانْ الْغَفُورِي شَاعِرٌ قَبْلَ كُلِّ شّيء ، حَاوَلَ مِنْ خِلاَلِ رِوَايَتِهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ شُحْنَة كَبِيرَة مِنَ الْوَجَعِ الْمُغَلَّفِ بالْمَوْتِ مِنْ خِلاَلِ نَصٍّ رِوَائِي ، سَخَّرَ فِيهِ ذَاتَـهُ الْمُوجَعَة لِتَكُونَ الرَّاوِي النَّاطِق بِصُوَرِهِ الشِّعْرِيَة مُجَلِّيًا ذَلِكَ الاضْطِرَاب و الْقَلق النَّفْسِيّ الذِي يَسْكُنُهُ ، و رَاسِمًا لَنَا عَوَالِمَهُ الْخَاصَّة بأُسْلُوبٍ سَلِسٍ جَمِيل ।

و أَظُنُّه وُفِّقَ إِلَى حَدٍّ كَبِير فِي اسْتِثْمَارِ ثَقَافَتِهِ الْوَاسِعَة ، و اطْلاَعِهِ الْمُمْتَد ، إِلَى جَانِب تَخَصُّصِهِ الذِي كَانَ مُسَيْطَرًا عَلَى الْمَشْهَد مِنْ بِدَايَةِ النَّصِ إِلَى نِهَايَتِهِ ، و أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُول أَنَّهُ نَجَحَ فِي تَوْظِيفِ تِلْكَ الالْتِقَاطَاتِ الدَّقِيقَة الْمُتَمَثِّلَة فِي الْمَخْزُونِ الثَّقَافِي ببَرَاعَةِ نَسْجِ الْحَدَثِ ، بِمَا يَجْعَلُهُ يُعَبِّرُ بِحُرِّيَةٍ مُطْلَقَةٍ عَمَّا يُرِيد ، لِنَجِدَ دَفَّتَيْن أَسَاسِيَّتَيْنِ تَتَجَاذَبَانِ النَّصَّ هُمَا : الطِّب و الأَدَب ، فَيُمَثِلُ لَنَا بِطَرِيقَةٍ مَا عَالَمَيْهِ الْمُمَيَّزَيْنِ مِنْ خِلاَلِ الطَّرْحِ الْمُتَبَادَل بِبَرَاعَةِ الْكَاتِب حَيثُ يُدْخِلُ الأَطِّبَاءَ و الشُّعَرَاءَ فِي مَحْكَمَةِ الذَّاتِ الْخَفِيَّة ، و نَجِدُهُ يَنْحَازُ بِنَفْسِهِ للأَدَبِ و الشُّعَرَاء ، حَيْثُ يَصُبُّ سَخْطَهُ عَلى الطِّب و الأَطِبَّاء فِي هَذَا النَّص مُلْتَجِئًا إِلَى الشِّعْرِ و الشُّعَرَاء رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ نَاتِجًا عَنْ شُعُورٍ كَامِنٍ فِي ذَاتِ الكَاتِب بَعْدَ أن عَجَزَ الطِّبُّ عَنْ إنْقَاذِ حَبِيبَتِهِ ، و رُبَّمَا يَكُونُ دَافِعًا أَيْضًا نَحْوَ الْتَّمَيُّزِ فِي مَجَالِ تَخُصُّصِهِ و هُوَ يَرَى حَبِيبَتَهُ فِي رُوحِ كُلِّ مَرِيضٍ يُعَالِجُهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ يَوْمًا .

و لَيْسَ غَرِيبًا أَبَدًا أَنْ نَسْتَشْعِرَ ذَلِكَ التَّمَاهِي و الامْتزاج الرُّوحِي بَيْنَهُ و بَيْنَ لَيَال نَبِيل ( سَالِي نَبِيل ) و كَيْفَ اسْتَطَاعَتْ الْقُدْرَة الإِلَهِيَّة الْمُتَجَلِّيَة فِي الْمَوْت أَنْ تَفْصِلَ بَيْنَهُمَا ، لِيَدْخُلَ الْكَاتِب فِي عَوَالِم الذَّات ( الأنا ، و الأنا الأعلى ) ، و هَذَا التَّقْسيم الدَّقِيق ما هُو إِلاَّ دَلاَلَةُ حُبٍّ رَصين ، جِعَل لَيَال نَبِيل تَسْكُنُ فِي دَاخِلَ الكَاتِب بَعْدَ أَنْ ارْتَقَتْ رُوحُهَا للسَّمَاء ، و هَذَا الاضْطراب النَّفْسِي يَظْهرُ جَلِيَّا عِنْدَمَا تُتَاحُ الْفُرْصَة للكَاتِب أَنْ يَتَحَدَّثَ عَنْ حَبِيبَتِهِ لَيَال بِشَكْلٍ أَوْ بآخَر ، أو رُبَّمَا مِنْ خِلاَلِ السَّيدَة فَيْرُوز التِي كَانَ يَلْجأُ إِلَيْهَا لِتُغَنِّي و تُشْبِعَ ذَاتَهُ الْمُنْتَظِرَة للحُبِّ .

إِنّ التَّنُوَّعَ السَّرْدِيّ للكَاتِب ، و التَّنَقُلُّ الْخَفِيّ لَهُ يَجْعُلُنَا نُشَارِكُهُ مُتْعَةَ السَّفَرِ حَتَّى النِّهَايَة ، طَمَعًا فِي أَنْ نَخُوضَ فِي حَيَاةِ مَا بَعْدَ الْمَوْت و مَا قَبْلَ الْحَيَاة الثَّانِيَة ، ثمَّ أنَّ "الْمُنُولُوج" يَشُّدُّنَا لاسْتِكْشَافِ أَشْيَاءَ كَثِيرَة و يَفْتَحُ لَنَا بَابًا وَاسِعًا مًمْتَدًّا لِنَعِيشَ مَعَهُ اللحَظْة التِي يُرِيدُنَا أَنْ نَسْتشْعِرَهَا مَعَهُ بِدَهْشَة و تَشَوُّق .


أَيُّهَا النَّبِيل مَرْوَان /

هَا أَنْتَ أَثــبَتَّ لِقَارئِكَ أَنَّكَ و الْحُزْنُ تَــوْأمٌ ، و أَنَّكَ و الْمَوْتُ فِي عِدَاءٍ دَائِمٍ حَتَّى تَنْتَقِمَ لِــ لَيَـــال !
فاعْذُرْنِي بِحَجْمِ حُبِّكَ لـ لَيـــال إِنْ تَجَاوَزْتُ حُدُودَ الْقِرَاءَةِ هُنَا !

قَدَرًا مُبْتَسِمًا أَرْجُوهُ لَكَ هُنَا و لِــ لَيَـال هُناكَ ، و لَكُمَا عِنْدَمَا تَلْتَقِيَان !



رُقَـيَّـــة البـريدِي