السبت، 10 أبريل 2010

فِي الجَانِبِ الأَيْسَرِ مِنَ الذَّاكِرَةِ

أَمْضَيْتُ اللَيْلَةَ الثّانِيةَ عَشرةَ مِن شَهْرِ شَوَّالٍ لعام 1427هـ المُوَافِق الخَامِس من تِشْرِينَ الثَّانِي / نُوفَمْبَر لِعَام 2006 م بَحْثًا عَنْ خُيُوطِ الفَجْرِ ، وَمَا أَنْ أمْسَكْتُهَا حَتَّى تَوَضَّأْتُ وَصَليْتُ ، وَدَعَوتُ اللَّهَ أَنْ يَشْرَحَ لِي صَدْرِي ، و يُيَسِرَ لِي أمْرِي ، وَيَحْلُلَ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي لِيَفْقَهَ قَوْلِي ، نَظَرْتُ إلِى المِرْآةِ نَظْرَةً خَاطِفَةً ، مَلاَمِحُ الحُزْنِ مُخَيِّمَةٌ فِيهَا ، أحْتَاجُ لِقِنَاعِي المُبْتَسِمِ ؛ فَطَالِبَاتِي يُلاَحِظْنَ كُلَّ شَيءٍ ، لَبسْتُ قِنَاعِي البَاسِمَ وَ خرَجْتُ إِلَى طَرِيقِي ، تَصَفَّحْتُ تَسْجِيلاَتِ هَاتِفِي ، عَلِّي أَسْتَمِعُ شَيْئًا يُغَيِّرُ حَالِي ، وَجَدْتُنِي قَدْ وَصَلْتُ إِلى مَوْقِفِ الْحَافِلةِ و هَاتِفِي مَا زَالَ يُرَدِدُ قَصِـيدَتَهُ الشَّعْبِيَّةُ ( ما احلى العطر و نفحة العود ...الخ) .
جَاءَتِ الحَافِلَةُ فِي مَوْعِدِهَا ، اخْتَرْتُ لِي مَكَانًا قُرْبَ نَافِذَةٍ بعِيدَةٍ ، جَلَسَتْ إحْداهُنَّ جَانِبي ، و بِابْتِسامَةٍ جَمِيلَةٍ تَسْأَلُنِي : مَا بِكِ الْيَومَ عَلَى غَيْرِ عَادَتكِ ؟!
لاَ شَيءَ .. رُبَمَا أَثَرُ السَّهَرِ فَقَطْ .
حَسَنًا . هَلْ يُمْكِنُكِ مُسَاعَدَتي فِي شَرْحِ هَذِهِ الأبْيَات ؟
بِكُلِّ سُرورٍ . أسْمِعِـيـنِي
يَا إِلــــــهِي مَرْثِيَّـــــةٌ مُنْذُ الصَّبَاح ، غُصْتُ فِيهَا إِلَى أنْ دَمَعَتْ عَيْنَاي ، مَسَحْتُ دُمُوعِي و سَلَّمْتُ أَمْرِي لله ، بَدأَتْ زَمِيلَتِي تَعْتَذِرُ دُونَ سَبَبٍ وَاضِحٍ فَهِيَ لاَ تَدْرِ مَا بِدَاخِلي ، و أنَا أُرَدِّدُ: لاَ بأْس ... لاَ بأْس .
وَصَلْنَا مُبَكِّرِينَ ذَلِكَ اليَوْمَ ، قُرِعَ الجَرَسُ و انْتَظَمَتْ الطَوَابِيرُ ، أعِيدَتْ تَحِيَّةُ الوَطَنِ مِرَارًا بأمْرِ مُدِيرَةِ المَدْرَسَةِ ؛ لانْخِفاضِ صَوْتِ الطَّالِبَاتِ ، ثُمَّ قُدِّمَ البِرْنَامَجُ الْإذَاعيُّ الَّذي كَانَ عَنِ المَوتِ .. ذَلِكَ المَارِدُ الجَبَّارُ الَّذِي يَأْتِي بَغْتَةً لِيَحْرِمَنَا مَمَّنْ نُحِبُ حُرْمَةً أَبَدِيَّةً ، كَمْ أَكْرَهُهُ و أَحْتَسِبُ الأجْرَ عَلَى اللهِ الحَيِّ القُيُّومِ .

كُنْتُ بِحَاجَةٍ إِلَى تَهْيِئَةٍ نَفْسِيَّةٍ ، فَأخَذْتُ الْحِصَّةَ الأولَى أَقْرَاُ القُرْآنَ الكَرِيمَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، و فَوْرَ أنْ دَقَّ جَرَسُ الحِصَّةِ الثَّانِيَةِ ذَهَبْتُ لِحِصَّتِي الَّتِي كَانَ مَوْضُوعُهَا تَعْبِيرًا عَنِ الْوَقتِ و أَهَمِّيَتِهِ ، سُعِدْتُ بأداءِ الطَّالِبَاتِ الرَّائعِ ، كُنَّ فِي قمَّةِ الإبْدَاعِ ، حَضَّرْنَ البَرامِجَ و الحِوارَ الهَادِفَ و مَسْرَحِيَّةً مُمْتِعَةً عنِ الْوَقْتِ و أهَمِّيَتِهِ ، و خُتِمَتْ الحِصَّةُ بِخُطْبَةٍ ارْتِجَالِيَّةٍ أَبْهَرَتْنِي حَقًّا ، رغمَ أنَّهَا عَادَتْ بِنَا إِلى السَّاعةِ و قُرْبِ السَّاعَةِ و المَوْتِ الَّذِي لاَ بُدَّ أَنْ نُسَابِقَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ أنْ نَنْدَمَ عَلَى مَا فَاتَ ، تأَثَّرْتُ كَثِيرًا، بَعْدَها شَكَرْتُهُنَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، و عُدْتُ إلَى غُرْفَةِ المُعَلِّمَاتِ و أنَا مُتْعَبَةٌ جَائِعةٌ ، طَلَبْتُ مِن زَمِيلَتِي ( شَيْخَة ) أَنْ تُرَافِقَنِي إِلى الْجَمْعِيَّةِ ، و مَا أنْ شَرَعنَا نَأْكُلُ حتَى جَاءتْ طَالِبَةٌ لاَهِثَةً تَقُولُ و عَيْنَاهَا قَدْ أَثْقَلَهُمَا الْخَوفُ ، واصْفَرَّ وَجْهُها : أُسْتَاذَة ... أسْتَاذة ... الْحَقِينا زَمِيلَتُنَا ... مَاتَتْ !!

تَجَمَدْنَا فِي مَكَانِنَا ، رَمَيْنَا كُلَّ شَيءٍ و خَرَجْنَا بِخُطُواتٍ مُسْرِعَةٍ مُتَعَثِّرَةٍ نَجْرِي وَرَاءَهَا ، وَجَدنَا الجَمِيعَ يَبْكِي و الطُّفُولَةُ يَعْتَصِرُهَا الخَوْفُ !! أَمْسَكْتُ قَلْبِي الَّذِي أَحْسَسْتُه يَخْرُجُ مِنْ جَوفِي ، تَذَكَّرْتُ الدُكْتور سُلَيْمَان الشعَيْلي و هُوَ يُفَسِّرُ لَنا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الأحْزَاب : " و إِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ و بَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ و تَظُنُّونَ باللهِ الظُّنُونَا " صًدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ ، سَأَلَتْ زَمِيلَتِي : أَيْن الطَّالِبَة ؟ أَجَابَتْ إحْدَاهُنَّ نُقِلَتْ إلَى الْمَرْكَزِ الصِّحيِّ ، و أُخْتُهُا المِسْكِينَة تَصْرُخُ دُونَ وَعْيٍ ، لَمْ نَسْتَطِعْ الصَّبْرَ حَتَّى تَرْجِعَ المُعَلِّمَةُ الَّتِي أَخَذَتْهَا لَحِقَ بِهَا بَعْضُهنَّ ، و حَاوَلْنا الاتْصِالَ بِهَا لَكِنَّها لَمْ تأْخُذْ هَاتِفَها فَالْوَقْتُ لَمْ يُسْعِفْها ، كَانَتْ لَحَظَاتٍ مُرْعِبَةً جِدًّا حَتَّى اتَّصَلَتْ إحْدى الْلَوَاتِي لَحِقْنَ بِهَا لِتُطَمْئِنَنَا أَنَّ الطَّالِبَة بِخَيرٍ و قَدْ تَمَّ إسْعَافُهَا بَعْدَ أَنْ بَلَعَتْ دُبُّوسًا و سَقَطَتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَظَنَّهَا الجَمِيعُ قَدْ فَارَقَتِ الْحَيَاةَ ، سَكَنَتْ النُّفوسُ و مُسِحَتْ الدُّموعُ ، و هَدأَ الرُّعْبُ ، فشَكَرْنَا الله الْعَلِيَّ القَدِيرَ عَلَى لُطْفِهِ فِي الأمْرِ ، و حِكْمَتِهِ التِي جَعَلَتْنَا نَرَى الْحَياةَ بِشَكْلٍ مُخْتَلِفٍ .

كَانَ لَدَيَّ حِصَّةٌ رَابِعَةٌ لَم تَكُنْ أَقَلَّ جَمَالاً مِن الثَّانِيَةِ مَرَّتْ سَرِيعًا ، بعْدَهَا مَضَيْتُ إلَى غُرْفَةِ المُعَلِّمَاتِ حَيْثُ تَنْتَظِرُنِي مُشْرِفَةُ المَسْرَحِ الَّتِي اتَّفَقْتُ مَعَهَا عَلَى هَذِهِ الحِصَّةِ لِمُتَابَعةِ أُمُورِ المَسْرَحِ ، و مُتَابَعَةِ أَداءِ الطَّالِبَاتِ ، و لِنُخَطِّطَ مَعًا مِنْ أَجْلِ إحْرَازِ مَرْكَزٍ فِي التَّقييمِ ، كَانَتِ الأعْمَالُ كَثِيرَةً ذَلِكَ اليَومَ ، بَعْد جَرَسِ السَّادِسَةِ و الأخِيرَةِ ذَهَبْتُ إلَى مُعَلِّمَتِي المُتَعَاوِنَةِ تِلْكَ الطَّيِّبَةُ الَّتِي سَاعَدَتْنِي لِأَفْهَمَ تَفْكِيرَ الطَّالِبَاتِ و الصُّعوبَاتِ الَّتِي يُوَاجِهْنَهَا ، اتْفَقْتُ مَعَهَا عَلَى دَرْسِ الأسْبوعِ الْقادِمِ ، نَوَّعَتْ لِي كَمَا طَلَبْتُ مِنْهَا ( ذَكَرَهَا اللهُ بالْخيْرِ و أَحْسَنَ إِلَيْهَا و جَزَاهَا خَيْرًا ) ، انْصَرَفتُ بَعْدَهَا لأَنَسِّقَ مُشَارَكَةً لِي فِي يَوْمِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الَّذِي سَيَكُونُ الأسْبُوعَ الْقَادِمَ بإذْنِ اللهِ ، اقْتَرَحْتُ عَمَلَ مُسَابَقَةٍ لِمَجْمُوعةِ اقرأْ .
اكْتَشَفُتُ فِي هَذا اليَومِ الشَّـاقِ أَمْرًا (بَدَرَ مِنْ إحْدَاهُنَّ ) جَعَلَنِي أَتَمَزَّقُ مِنَ الدَّاخِل ؛ لأنِّي كَتَمْتُهُ فِي نَفْسِي و احْتَسَبْتُ الأجْرَ عِنْدَ اللهِ، و سُرْعَانَ مَا انْتَهَتِ الحِصَّةُ ، خَرَجْنَا إلَى الحَافِلَةِ بَعْدَ يَوْمٍ حَافِلٍ بالمُفَاجَآتِ .

فِي الْحَافِلَةِ بَدَأْتُ أَرْاجِعُ أحْدَاثَ ذَلِكَ اليَوم ، لَمْ أحتَمِلْ أَكْثَرْ أَجْهَشُتُ بِالْبُكَاءِ ، تَذَكَّرْتُ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى صُورَةُ جَدَّتِي الَّتِي تُوفِيَّتْ قَبْلَ أَيَّامٍ قلاَئل ، وقِيلَ لِي أنَّهَا كَانَتْ تُرَدِّدُ اسْمِي و هَيَ تَحْتَضِرُ كَوْنِي الْوَحِيدَةُ (مِن أحفَادِها الَعشْرَةَ ) الَّتِي لَمْ أرَهَا مُنْذُ شَهْرٍ كَامِل لانْشِغالِي بِالْدِّراسَةِ فِي الْجَامِعَةِ ، ضَاق صَدْرِي وَ أنَا أشْـعُــرُ بِرَغْبَةٍ فِي احْتِضَانِهَا كَمَا تَعوَّدتُ ، وَ شَوْقٍ لِلَحْظَةِ شَغَبٍ تَعَوَدْتُ عَلَيْهَا ، بَحَثْتُ عَنْ سَبَبِ حُزْنِي و تَعَبِي ، و زَمِيلَتي تُحاوِلُ جَاهِدَةً أنْ تُهَدِّئَ انْفِعالي ، و صَلْتُ إلَى قَنَاعَةٍ بِأَنَّ الجَامِعَةَ هِيَ السَّبَبُ فِي كُلِّ مَا أُعَانِــيهِ ، أتْعَبُ فَوْقَ طَاقَتِي ، لاَ وَقْتَ حتَّى لأهْلي ، و لَيْتَ التَّعَبَ يَأْتِي بِنَتِيجَةٍ !!

قَرَّرْتُ أَنْ أتْرُكَ الْجَامِعَةَ ، رَاجَعْتُ الأمْرَ فِي رأسِي ، ثُمَّ قُلْتُ لزَمِيلَتي : سَأتْرُكُ الجَامِعةَ ، لَمْ أَهْتَمْ بِرَدَّةِ فِعْلِهَا ، كُلُّ تَفْكِيري فِي قَرَارِي الَّذِي اتَّخَذْتُهُ و بِإصرَارٍ شَدِيدٍ ، مَا أَنْ وَصَلَت الحَافِلَةُ إلَى الجَامِعَةِ حَتَّى طَلَبْتُ مِنَ الرَّجُلِ الطَيِّبِ أَنْ يُوقِفَنِي فِي كُلِّيَةِ الآدَابِ لألْقِي نَظْرَتِي الأَخِيرَةَ عَلَى قِسْمِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ و أَسَاتِذَتِهِ الْكِرَامِ ، صَعَدْتُ إلَى الْقِسْمِ تَرَدَّدْتُ فِي الدُخُولِ ؛ خَشْيَةَ أَنْ أُغَيِّرَ رَأْيِي فِي الأَمْرِ الذِي أَزْمَعْتُهُ ، يَبْدُو أَنَّ أَحَدَهُمْ لَمَحَنِي مُتَرَدِّدَةً فِي الدُّخولِ ، وَقَفَ خَلْفَ البَابِ يَنْتَظِرُنِي بابْتِسَامَةٍ لَطِيفَةٍ ، رُبَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا ، رَمَيْتُ التَّرَدُّدَ جَانِبًا وَ مَضَيْتُ ، قَالَ لِي و السَّعَادَةُ الصَّادِقَةُ طَافِحَةٌ عَلَى وَجْهِهِ ، أهْلاً بالشَّاعِرَةِ المُتَأَلِقَةِ دَائِمًا ( وَ أَذْكُرُ أَنَّهُ نَادَانِي مَرَّةً بابْنَةِ المُلُوكِ ! لاَ لِشَيءٍ إلاَ لأَنَّه قَرَأَ فِي أحَدِ كُتُبِ التَّارِيخِ أَنَّ البُرَيْدِيينْ حَكَمُوا الخَلِيجَ زَمَنًا وَ طَرَدُوا البُوَيْهِيين مِنْهُ ) ، أَيْنَ أَنْتِ يَا بُنَيَّة ؟!! ظَنَنْتُكِ تَخَرَجْتِ عِنْدَمَا قَرَأْتُ حَائِيَتَكِ المُعَلَّقَةَ فِي الْقِسْمِ ! كَمْ أَنَا فَخُورٌ بِكِ يَا رُقَيَّة !! أَخَذَتْ كَلِمَاتُه تَنْسَابُ إِلَى أْعْمَاقِي كَالثــَّـلْجِ ، لَوْ يَعْلَمُ هَذا الأُسْتَاذُ قَرَارِي المَجْنُونَ كَيْفَ سَيَكُونُ مَوْقِفَهُ مِنِّي؟!! حَاوَلْتُ تهْوين الأمْرِ ، بَعْدَهَا مَضيْتُ دُونَ تَحْدِيدِ وِجْهَةٍ حَتَّى سَاقَتْنِي قَدَمَايَ إِلَى مَرْكَزِ الإِرْشَادِ النَّفْسِيِّ الذِي أقْتَرِبُ مِنُه لِلْمَرَةِ الأولَى فِي حَيَاتِي الجَامِعِيَّةِ ، دَخَلْتُ وطَلَبْتُ مُقَابَلَةَ أَحَدِهُم ، قِيلَ لِي خُذِي مَوْعِدًا وَ عُودِي لَاحِقًا (كَانتْ السَّاعَةُ الثَّانِيَّةَ و النِّصفَ مَسَاءً) وَقَفْتُ مَكَانِي أَجُولُ بِنَظَري فِي تَقَسِيمِ وَجْهِ المُنَسِّقَةِ الَّتِي سُرْعَانَ مَا طَلَبَتْ مِنِّي الجُلَوسَ بَعْدَ أَنْ انْهَارَتْ نَفْسِيَّتي المُتْعَبَةُ أَمَامَهَا فانْفَجَرْتُ بَاكِيَةً ، تَرَكَتْنِي حَتَّى هَدَأْتُ ، ثُمَّ شَرَعَتْ بِأَخْذِ بَيَانَاتِي و مِفْتَاحَ الْمُشْكِلَةِ ، عِنْدَمَا رَأَتْنِي عَلَى حَالَتِي تِلْكَ اسْتَدْعَتْ الدُّكْتُورَة مُنَى عَلَى أَساسِ أَنَّهَا حالَةٌ طَارِئَةٌ ، جَاءَتْ الدُّكْتُورَة و أَخَذَتْنِي مَعَهَا إلَى مَكْتَبِهَا بَدأَتْ الْحدِيثَ بالْسُؤَالِ عَنِ الاسْمِ و الكُلِّيَةِ و السَّنَةِ الدِراسِيَّة ،ثُمَّ السُؤَالِ عَنِ الحَالِ ، ... طَالَتْ الجِلْسَةُ كَثِيرًا فَكُلَّمَا أَرَدْتُ الحَدِيثَ أَثْقَلَنِي البُكَاءُ المَخْنُوقُ بِداخِلِي ، وانْتَظَرَتْنِي وَ هِيَ تَمْسَحُ عَلَى كَتِفِي ، جَعَلَتْنِي أتَحَدَثُ عَنِ الجَوَانِبِ الإِيجَابِيَّةِ للجَامِعَةِ لِتُقْنِعَنِي أَنَّهَا أكْثَرُ ، لَكِنَنِي كُنْتُ أَرَى الحَيَاةَ خَلْفَ زُجَاجٍ أَسْوَدٍ ، بَقـِيتُ مُصِرَّةً عَلَى رَأيي ، طَلَبَتْ مِنِّي التَّرَيْثَ و تَأْجِيلَ فَصْلٍ ثُمَّ العَودَةِ ، رَفَضْتُ ذَلِكَ ، قَالَتْ لِي : خُذي هَذا الأُسْبُوعَ إجَازةً يَجِبُ أَنْ تَعُودي إِلَى البَيْتِ و لاَ تُفَكِّرِي فِي شَيءٍ عَدَا صِحَّتَكِ وَ رَاحَتَكِ النَّفْسِيَّةِ ثُمَّ عودي السَّبْت إِلَيَّ ، أَجَبْتُهَا أَنَّ لَدَيّ امْتِحانَ قيَاسٍ نَفسِيٍّ فِي اليَوْمِ التَّالِي و امْتِحَانًا آخَرَ يَومَ السَّبتِ لِمَادةِ الإعْجَازِ ، و لاَ أُحِبُّ تَأْجِلَ الامْتِحَانَاتِ ، إمَّا أَن أذْهَبَ و لاَ أعُودُ أَو أَبْقَى ، طَلَبَتْ مِنِّي أَسْمَاءَ جَمِيعِ الأسَاتِذَةِ أَخْبَرْتُهَا ، ثُمَّ طَلَبَتْ مِنِّي الاتْصَالَ بِأَخِي أَمَامَهَا لِيَأْخُذنِي رُبَّمَا لِتَتَأكدَ مِنْ إصْرارِي ، رَفَضْتُ حَتَّى لاَ أُزْعِجَ أخِي فِي ذّلِكَ الوَقْتِ فأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يّعُودُ مُتْعَبًا مِنَ العَمَلِ و لَدَيْهِ درَاسَةٌ مَسَائِيَّة، اتْفَقْتُ مَعَهَا عَلَى مَا اقْتَرَحَتْ ( آخُذُ الأيَامَ المُتَبَقِّيَّة مِنَ الأُسْبُوعِ إِجَازةً ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهَا ) ، خَرَجْتُ الرَّابِعَة أَو يَزِيد ، أَرْسَلْتُ لأخِي أنَّي أرِيدُ العَوْدَةَ إلَى البَيْتِ ، اتْصَلَ يَسْأَلُنِي عَن السَّبَبِ أَخْبَرْتُهُ الحَقِيقَةَ ، رَفَضَ أَنْ يَأْتِي و اكْتَفَى بِقَوْلِهِ : أَعْتَذِر . لاَ أُحِبُ أَنْ أرَاكِ فِي لَحْظَةِ ضَعْفٍ تَتَصَرَّفِينَ تَصَرُّفًا أَحْمَقًا كَهذَا ، فَكِّرِي بِنَا ، بِأُمِّكِ ، فَكِّرِي فِي المُسْتَقْبَل ،... أَيْنَ رُقَيَّةُ الَّتِي كَانَتْ تَقُولُ ... هَلْ تَنَازَلْتِ عَنْ كُلِّ شَيءٍ فِي لَحظَةٍ ؟! أَعِيدِي التَفكِيرَ إلى الغَدِ و سآتِيكِ غَدًا نَخْرُجُ فِي نُزهَة ٍقَصِيرَةٍ و أُعِيدُكِ إِلَى الجَامِعَةِ ثَانِيَةً .
بَعْدَهَا قَرَرْتُ أَنْ أَنَامَ ، اسْتَيْقَظْتُ لأَجِدَ الكَثِيرَ مِنَ المُكَالمَاتِ التِي لَمْ يُرَدّ عَلَيْهَا ، يَبْدُو أَنَّ خَبَري انْتَشَرَ كَالْبَرْقِ بَيْنَ زَمِيلاَتِي اللواتِي رَأَيْنَ حَالِي فِي الْحَافِلَةِ و بَيْنَ أَفْرَادِ عَائِلَتِي ، لَمْ تَكُنْ لِي رَغْبَةٌ فِي الْحَديِثِ مَعَ أَيّ مَخلُوقٍ عَدَا أُمِّي اتَّصَلْتُ بِهَا ، هَاتِفُهَا تَعَذَّر ، اتَّصَلَتْ بِنَفْسِهَا فِيمَا بَعْد، بَكَتْ و عَزَّ عَلَيَّ بُكَاؤُهَا ، أخبَرْتُهَا أَنَّهَا حَالَةٌ و ذَهَبَتْ مَعَ الرِّيحِ لاَ أكْثَرَ ، وَعَدْتُهَا بالاجْتِهَادِ و حُضُورِ المُحَاضراتِ ، لَمْ أسْتَطِعْ الوَفَاءَ بِوَعْدِي فِي المُذاكَرَةِ غَيْرَ أَنِّي كَلَّفْتُ نَفْسِي حُضُورَ المُحَاضَراتِ في اليوْمِ التَّالِي ، و توَالَتْ اتِّصَالاَتُ الأَحِبَّةِ فِي اليَوْمِ التَّالِي ، بَدَأْتُ أَشْعُرُ بِقِيمَتِي، فُوجِئْتُ باتِّصَالِ بَعْضِ أسَاتِذَتِي الَّذِينَ لَحظُوا تَغَيُّري و أَخَذُوا رَقْمَ هَاتِفِي مِن زَمِيلاَتِي لِيَقِفُوا إلَى جَانِبِي حَتَّى لاَ أُبَاشِرُ تَصَرُّفِي الأَحْمَقَ الَّذِي سَمِعُوا بِه مِن زَمِيلاَتي ، شَيْئًا فَشَيْئا بَدَأْتُ أَسْتَعِيدُ ثِقَتِي بِنَفْسِي و للهِ الحَمْدُ، ظَلَتْ الفِكْرَةُ تُرَاوِدُنِي كُلَّما مَرَرْتُ بأَزْمَةٍ تَحْرِمُنِي حَقَّ الامْتِيَازِ الذِّي أجْهَدْتُ نَفْسِي لِأَجلِهِ، كُنْتُ أَنْوِي العَوْدَةَ ذَلك الأُسْبُوعَ إلى بَلَدِي التِي طَالَمَا تَغَنَّيْتُ بِها :

فَرْقٌ رَبِيبَةُ أَحْرُفِي و قَصِيدِي

وَعَظِيمُ حُبِّيَ بَلْ مَنَارَةُ عِيدِي

إِنِّي وإِن بَعُدَتْ دُرُوبُكِ لَحْظَةً

سَيَظَلُّ يَنْبِضُ فِي هَوَاكِ وَرِيدي

مَا جَالَ فِي خُلْدِي نَسِيمُكِ مَرَّةً

إِلاَّ ذَكَرْتُ شُمُوخَكِ الْمَعْهُودِ


كُنْتُ أُفَكِّرُ فِي رَاحَتِي ، و أَيُّ راحةٍ تِلْكَ التِي بِتُّ أَطْلُبُ ! جَاءنِي خَبَرُ وَفَاةِ خَــال أمِّي بِنَوْبَةٍ قَلْبيَّةٍ ، قَضَيْتُ إِجَازَتِي فِي الْعَزَاءِ بَينَ الدُّمُوعِ ، لَمْ أسْتَطِعْ أدَاءَ امْتِحَانِ الإعْجَازِ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَمْ أجْرُؤْ عَلَى شَرْحِ ظُرُوفِي للدُّكْتُور ، تَقَبَّلْتُ عِقَابَهُ الدُّبْلُمَاسِيَّ بِصَمْتٍ و احْتَسَبْتُ الأَجْرَ عَلى الله فَهُوَ الأعْلَمُ بِحَالي المُسَيِّرُ لأَمْري و المُقَدِّرُ لِكُلِّ شَيءٍ ، و قُمْتُ ( كَعَادَتِي مسَاءَ كُلَّ سبتٍ) بِتَجْهِيزِ مُتَطَلَّبَاتِ التَّرْبِيَةِ العَمَلِيَّةِ ، تأَمَّلْتُ الْوَسَائلَ المعَدَّةَ و رَاجَعْتُ خُطَّتِي و مُسَابَقَةَ جَمَاعَةِ اقْرَأْ التِي أَعْدَدْتُهَا ، ثُمَّ شَرَعْتُ لِنَوْمٍ مُبَكِّرٍ، أَرْهَقَنِي اللَّيلُ كَثِيرًا ، عَيْنَايَ لَمْ تَسْتَطْعِمَا النَّوْمَ، تَذَكرْتُ الدُّكْتُورَةَ اَّلتِي وَعَدْتُهَا بالْعَودةِ و لَم أَجِدْ وَقْتًا ، شَيءٌ مَا يَدْفَعُنِي لِلتَّخَلُفِ عَنِ التَّرْبِيَة العَمَلِيَّةِ ، ذَهَبْتُ لِزَمِيلَتِي سَلَّمْتُهَا المُسَابَقَةَ ، كَانَ الوَقْتُ مُتَأَخِّرًا ،قُلْتُ لَهَا احْتِرَاسًا فَقَطْ إِنْ لَمْ أَتَمَكَّنْ مِن المَجِيءِ للمَدْرَسَةِ غَدًا ، اسْتَلَمَتْهَا و لله الحَمْدُ، و فِعْلاً وَجَدْتُ نَفْسِي غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى الذَّهَابِ مَعَهُنَّ ، انْتَظَرْتُ الصَّبَاحَ و تَوَجَهْتُ إلَى مَرْكِزِ الإرْشَادِ ، و لَكِن للأَسَفِ مَا وَجَدْتُ الدُّكْتُورَة ، خَاب أَمَلِي و لَكِنْ أخَذْتُ مَوعِدًا فِي اليَومِ التَّالِي و ذَهَبْتُ فِي المَوعدِ ، فَقِيلَ لِي بِأنَّ لَدَيْهَا اجْتِمَاعًا ، أخَذتُ مَوعِدًا آخَرَ ، و لَكِنْ للأَسَفِ لَمْ أجِدْ وقْتَا لِلذَّهَابِ هُنَاك .

مَضَتْ الأيامُ سَريعًا ، و الجَمِيعُ يُؤَازِرُنِي لِأُواصِلَ المَسِيرَةَ ، اسْتَرْجَعْتُ قُوايَ و عَقَدْتُ عَزْمًا عَلى المُضِيِّ قُدُمًا ، تَحَديْتُ الظُروفَ و قَرَّرْتُ السُّطُوعَ فِي سَمَاءِ التَّأَلُقِ !!






الأربِعَاء 22 شَوَّال لِعامِ1427 هـ المُوَافِق 15 تِشْرِينَ الثَّانِي / نُوفَمْبَر لِعَام 2006 م

هناك 4 تعليقات:

  1. مساء طيب اختاه

    بصراحة كنت وما زلت من المتابعين بصمت لكتاباتك (نثرها او شعرها) ولكن ابت نفسي الا ان تكسر حاجز الصمت لكثرة علامات الاستفهام التي تدور في مخيلتي..

    فالسؤال الذي يحيرني لماذا نجد كتاباتك اغلبها ان لم يكن معظمها يغلب عليها طابع الحزن والحنين (هذا ما يرى جليا في اخر كتاباتك) وغيرها من الكتابات الاخرى..
    تقبلي مني نقدي وان لم نكن اهلا له..
    اجل الود

    ردحذف
  2. رُقيّة .. أختي العزيزة

    مُتابِعٌ لما تسرُدهُ ذاكِرَتُكِ هُنـا, وننتظِرُ القادِم سيِّدتي , ولكن جميـلٌ لو كانَ فيهِ همسَةُ فرح !!

    مودّتي

    ردحذف
  3. مَسَــاءٌ طَيْفِيٌّ بِحَجْمِ بَهـائِكَ هُنَــا أَخِي خَلِيل

    أَشْكُرُ مُتابعتكَ .. و لاَ أَعْتَقِدُ أَنَّ مــا قُلْتَهُ نَقْدٌ أَبَدًا .. إنَّمــا هُوَ انْطِبَــاعٌ اتْجــاهَ حَقِيقَةٍ تُطَــارِدُ قَلَمِي فِي كُلِّ أَرْصِفَتِهِ .. وَاجَهَنِي بِهــا الْكَثِيرُونَ فِي حِوَارَاتِهِم مَعي ..

    أعْتَقِدُ أَنَّ أزْمَةَ الْفَقْدِ مُتَكَرِّرَةِ الْمَشَــاهِدِ أَمــامِي .. و وَاقِعُ الْحَيــاةِ بِكُلِّ تَفــاصِيلِهــا ذَات تـأثِيرٍ كَبِير ..

    أَخَذْتَنِي لِرِســالَةٍ وَصَلَتْنِي مِنْ صَدِيقَةٍ جَمِيلَة مَفَـادُهــا سُؤَال لَطِيف : هَــل يَجِبُ عَلَيْنــا اخْتِلاَقُ الْوَجَعِ لِنُبْدِعَ ؟!
    يَوْمَهــا كــانَ رَدِي مَقــالاً طَوِيلاً حَوْلَ الْعَلاَقَةِ بَيْنَ الإبْدَاعِ و الألَم ..
    وَصَدَقَ مَنْ قَـال :
    ( لَوْ لَمْ يَكُنْ ألَمٌ مــا كــانَ لِي قَلَمٌ = كِلاَهُمــا للفَتَى عَزْمٌ و نِبْرَاسُ )

    أزْعُمُ يا عَزِيزِي أَنَّ لَحْظَةَ الوَجَعِ تَطْرُقُ أَبْوَابَ الْكِتـابَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهــا .. و هَذَا مـا يُؤَكِّدُهُ مُعْظَمُ النُّقــادِ حِينَ يَقُولُونَ أنَّ الإبْدَاعَ يُولَدُ مِنْ رَحِمِ الْمُعَــانــاة ..

    هَذَا لاَ يَعْنِي أنَّهُ لاَ وُجُودَ لِلَحَظَــاتِ السَّعــادَةِ التِي تَسْتَحِقُّ التَّخْلِد .. و تَفْرِضُ سَطْوَةً عَلَى الْقَلمِ أحْيــانــا .. بَلْ بِالْعَكْس أُحــاوِلُ دَائِمــا أَنْ أَخْلُقَ وَمْضَةَ أَمــلٍ بَعْدَ كُلِّ تَفْريغٍ كِتــابِيّ ..


    شُكْرًا لَكَ كَثِيرًا .. و سُررتُ بِكَ هُنــا .. دُمْتَ مَرْضِيًّــا

    ردحذف
  4. سُلْطــان ..أخِي الطَّيِّب


    للذَاكِرَةِ صَوْلاَتٌ و جَوْلاَتٌ لاَ تُؤْمَنُ أحْيــانًــا ..

    لِحُسْنِ حَظِّي أنِي أسْتَطِيعُ إرْضــاءَ رَغْبَتِكَ بالْفَرَحِ فِي يَوْمِيَّتِي الْعَمَلِيَّةِ الْقــادِمَةِ ..


    دُمْتَ طــالِبًــا مُجِتَهِدًا تَحْتــاجُكَ جــامِعَةُ السُّلْطــان قـابُوس و تَنْتَظِرُكَ بِشَوْق ..

    ردحذف