السبت، 17 أبريل 2010

مُعَلِّمَـــةٌ أَنَــا و الْيَــوْمُ يَـــــوْمِي




طَوَيْتُ سَجَّادَتِي بَعْدَ أَنْ أَنْهَيْتُ قِرَاءةَ الْحِزْبِ الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ، اسْتَلْقَيْتُ عَلَى كُرْسِيٍّ ، و بَدَأْتُ أَسْتَرْجِعُ أَحْدَاثَ يَوْمٍ سَابِقٍ ، أَذْكُرُ أَنِّي حَاوَلْتُ النَّوْمَ مُبَكِّرًا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِقَةِ ، غَيْرَ أَنَّ الأَفْكَارَ لاَ تَتْرُكُنِي و شَأْنِي أَبَدًا ، فَقَرَّرْتُ أَنْ أَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِطَرِيقَتِي الْخَاصَةِ ، تَنَاوَلْتُ دَفْتَرِي الأَزْرَقَ لِأُدَوِّنَ فِيهِ بَعْضَ المُرَاسَلاتِ و الْحِوَارَاتِ الشِّعْرِيَّةِ الأخَوِيَّة الَّتِي كُنْتُ أَحْتَفِظُ بِهَا فِي هَاتِفِي النَّقَالِ الذِي يَصْرُخُ لِكَثْرَتِهَا ، حَتَّى بَدَأْتُ أَشْعُرُ بالتَّعَبِ فَتَوَقَّفْتُ عِنْدَ رِسَالَةٍ مِنَ الصَّدِيقَةِ الشَّاعِرَة كَوْثَر الْغَافِريَّة تَقُولُ لِي فِيهَا مُعَاتِبَةً بَعْدَ طُولِ انْقِطَاع :

سَأَلْتُ عَنْكِ النَّدَى و الْوَرْدَ و الْعِنَبَا

و الطَّيْرَ يُنْشِدُ أَلْحَانَ الْهَوَى طَرَبَا

سَأَلْتُ عَنْكِ الشَّذَى و الرَّوْضَ مُبْتَسِمًا

و الرِّيحَ مُرْسَلَةً و الْغَيْثَ مُنْسَكِبَا

سَأَلْتُ عَنْكِ فَلَمْ أَعْثُرْ عَلى نَبَأٍ

فَهَلْ سَيُسْعِدُنِي عَبْرَ الأَثِيرِ نَبَا ؟!




فَكَانَ رَدِّي عَلَيْهَا بِقَوْلِي :

هَذَا مَقَالِي إِلَيْكِ الْيَوْمَ أَبْعَثُهُ

لِتَعْلَمِي خَبَرًا بالسَّعْدِ قَدْ كُتِبَا

فالْحَمْدُ للهِ مَا زِلْنَا عَلِى أَمَلٍ

مَا دَامَ مِنْكِ عَبِيرُ الْوَصْلِ مَا نَضَبَا

و بالْفُؤَادِ لَكِ ذَا الْيَوْمَ مَنْزِلَةٌ

فَلْتَسْأَلِي الْبَحْرَ و الأَمْوَاجَ و السُّحُبَا

تُنْبِئْكِ أَنِي بِأَشْوَاقِي عَلَى لَهَفٍ

لأَنْ أُعَانِقَ حَرْفًا مِنْكِ مُحْتَجِبَا

و ذَا قَصِيدِي أَرَاهُ الْيَوْمَ فِي فَرَحٍ

فَلَمْ تُخَاطِبْهُ قَبْلَ الْيَوْمِ رِيحَ صَبَا


بَعْدَهَا أَغْلَقْتُ دَفْتَرِي ؛ لأُسَلِّمَ نَفْسِي لِنَوْمٍ عَمِيقٍ ، لاَ أَذْكُرُ أَنِّي رَأَيْتُ أَحْلاَمًا تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، فَقَدْ اسْتَيْقَظْتُ فِي الْخَامِسَةِ و النِّصْفِ تَقْرِيبًا ، صَلَيْتُ وَ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ تَكُونَ بِدَايَةً مُوَفَّقَةً بِإِذْنِهِ ، سَمِعْتُ طَرَقَاتٍ عَلَى الْبَابِ فَفَتَحْتُهُ؛ لأَجِدَ آسْيَا و أَمَلْ يَطْلُبَانِ مِنِّي أَنْ أُعَجِّلَ الْمَسِيرَ مَعَهُمَا ، طَلَبْتُ مِنْهُمَا أَنْ يَذْهَبَا عَلَى أَنْ أَلْحَقَ بِهِمَا .

لاَ أَدْرِي سِرَّ سَعَادَتِي ذَلِكَ الْيَوم ، إنَّهُ يَوْمُ السَّبْتِ السَّادِسِ مِنْ شَهْرِ صَفر مِنْ عَامِ 1428 هــ المُوَافِقُ للرَّابِعِ و الْعِشْرِينَ مِنْ شبَاط / فِبْرَايِر لِعَامِ 2007 م ، خَرَجْتُ مُسْرِعَةً لأَلْحَقَ بِزَمِيلاتِي ، لَحِقْتُ بِهِنَّ و سَلَّمْتُ عَلَيْهِنَّ ، و قَدْ كُنْتُ أَتَغَنَّى بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :


كَانَ الصَّبَاحُ قَصِيدَةً عَرَبِيَّةً

و الشَّمْسُ تُنْشِدُهَا فَلا تَتَلَعْثَمُ

كَانَتْ رُبُوعُ الْقُدْسِ أَرْضًا حُرَّةً

تُرْعَى كَرَامَتُنَا بِهَا و تُعَظَّمُ

يَأْتِي إِلَيْهَا الْفَجْرُ طِفْلاً أَشْقَرَا

و لِسَانُهُ بالذِّكْرَيَاتِ يُتَمْتِمُ

كُنَّا بِهَا الأَحْبَابُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا

دِينٌ يَلُمُّ شَتَاتَنَا و يُنَظِّمُ


دَهْشَةٌ غَمَرْتْنَا مَا أَنْ وَصَلْنَا إِلَى مَوْقِفِ الْحَافِلاتِ ، و كأَنَّ غَمَامَةً سَوْدَاءَ قَدْ حَطَّتْ عَلَى الأَرْضِ!! يَا لَهَا مِنْ أَعْدَادِ هَائِلَةٍ مِنَ الطَّالِبَاتِ لَمْ نَعْتَدْ عَلَيْهَا سَابِقًا ؛ فَقَدْ أُضِيفَتْ دُفْعَةُ التَّأْهِيلِ مَعَنَا هَذَا الْفَصْلُ ، اسْتَغْرَقَ تَوْزِيعُ الْحَافِلاتِ عَلى الْمَدَارِسِ زَمَنًا لَيْسَ قَصِيرًا ، اسْتَطَعْنَا خِلاَلَهُ التَّعَرُّفَ عَلَى زَمِيلَةٍ جَدِيدَةِ لَنَا مِنْ طَالِبَاتِ التَّأْهِيلِ التَّرْبَويِّ ، انْطَلَقْنَا فِي السَّابِعَةِ تَقْرِيبًا ، طُرُقُ الدَّاخِلِيَّةِ تُشْعِرُنِي بالرَّاحَةِ النَّفْسِيَة ، طَبِيعَةٌ تَأْسِرُنِي بِتَنَوُّعِهَا بَيْنَ الْوِدْيَانِ و السُّهُولِ و الْجبَالِ ، كَمْ هُوَ مَنْظَرٌ رَائِعٌ عِنْدَمَا تَرَى سَحَابَةً صَبَاحِيَّةً تَعْصِبُ جَبِينَ الْجَبَلِ فِي لَوْحَةٍ إِلَـــــهِيَّةٍ أَخَّاذَةٍ ، أَوْصَلْنَا الطَّالِبَاتِ الْمُتَدَرِّبَاتِ فِي مَدْرَسَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ قَيْسٍ أَوَّلاً ، ثُمَّ انْطَلْقْنَا إِلَى عَائِشَةَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ ، وَصَلْنَا فِي السَّابِعَةِ و خَمْسٍ و َ أَرْبَعِينَ دَقِيقَةً تَقْرِيبًا ، كَانَ طَابُورُ الصَّبَاحِ لاَ يَزَالُ قَائِمًا ، إِنَّهُنَّ يَحْتَفِلْنَ بِيَوْمِ الْمُعَلِمِ ، مُنَاسَبَةٌ تُشْعِرُنِي بالْفَخْرِ الْكَبِيِرِ ، تَنَوَّعَ الْحَفْلُ بَيْنَ التَّمْثِيلِيَّاتِ و الأَنَاشِيدِ و الْقَصَائِدِ و كَلِمَاتِ الشُّكْرِ و تَوْزِيعِ الْوُرُودِ ... الخ ،كَانَ حَفْلاً رَائِعًا مُؤَثِرًا شَعَرْنَا بِقِيمَتِنَا و خَاصَّةً عِنْدَمَا وُجِّهَتِ كَلِمَةُ الشُّكْرِ إِلَيْنَا نَحْنُ الطَّالِبَاتِ المُتَدَرِّبَاتِ ، إِنَّهُ تَرْحِيبٌ مِنْ نَوْعٍ رَاقٍ ، أُكْرِمْنَا أَيَّمَا إِكْرَام ، ارْتَحْنَا جَمِيعًا للمَدْرَسَةِ الَّتِي احْتَضَنَتْنَا فِي ذَلِكَ الْيوْمِ الْمُبَارَكِ .

بَيْنَمَا نَحْنُ نَسْتَمِعُ إِلَى تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْعَذْبَةِ ، جَاءَتْنِي أَسْمَاءُ الْجَامِعِيَّةُ ، ابْنَةُ أَدِيبِ سَمَائِلَ و شَاعِرِهَا أَبِي سُرور ، إِنَّهَا مُعَلِمَةٌ فِي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ ، جَمَعَنِي و إِيَّاهَا الشِّعْرُ فِي أُمْسِيَاتٍ سَابِقَةٍ كَانَ آخِرَهَا تِلْكَ الّتِي أَقَامَهَا مَوْقِعُ الْمَجَرَّةِ الإِسْلاَمِيِّ الْخَمِيسَ السَّابِقَ بالْجَامِعَةِ ، ... ، رَحَبَتْ أَسْمَاءُ بِي و بِزَمِيلاَتِي ، و بَيْنَمَا كُنَّا كَذَلِكَ ، إِذَا بإِحْدَى الْعَامِلاتِ فِي الْمَدْرَسَةِ تَقُولُ لِي : ( بَكُونْ دُكْتُورْكُمْ جَايْ ) ، بَادَلْتُهَا الابْتِسَامَة و شَكَرْتُهَا لإِبْلاغِنَا ، ذَهَبْتُ لأتَأَكَّدَ ، فَوَجَدْتُهُ فِي مَكْتَبِ المُدِيرَةِ ، سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرّدَّ السَّلامَ ، و سَأَلَنِي عَنِ الأَحْوَالِ ، ثُمَّ طَلَبَ مِنِّي أَنْ أُبْلِغَ زَمِيلاَتِي بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِنَا ، لِيُخْبِرُنَا بَعْضَ الْمُتَطَلَّبَاتِ ؛ حَتَّى لاَ يَكُونُ لَنَا حُجَّةً إِنْ قَصَّرْنَا فِيمَا بَعْد ، عُدْتُ إِلَيْهِنَّ و َ أَخْبَرْتُهُنَّ أَنَّ الدُّكْتُور يَطْلُبُنَا ، اجْتَمَعَ بِنَا فِي مَكْتَبِ الْمُدِيرةِ ، أخْبَرَنَا مَا يَجِبُ عَليْنَا خِلاَلَ الْفَصْلِ و سَلَّمَنَا بَعْضَ الأَوْرَاقِ الَّتِي تُهِمُّنَا ، دَخَلَتْ عَلَيْنَا المُدِيرَةُ و رَحَبَتْ بِنَا ،ثُمَّ تَرَكَتْنَا مَعَ الدُّكْتُورِ ، سَأَلَنَا إِنْ كُنَّا نَرْغَبُ فِي الاسْتِفْسَارِ عَنِ أَيِّ شَيءٍ و لَـــكِنْ لا يَبْدُو أَنَّ هُنَالِكَ مَنْ تَرْغَبُ فِي السُّؤالِ ، لاَحَظْتُ بِأَنَّ أَمْرًا غَيْرَ طَبِيعِيٍّ فِي وَجْهِ بَعْضِهِنَّ ، رُبَّمَا لِمَوْقِفٍ مَعَ الدُّكْتُورِ أَو ...لاَ أَدْرِي و لَكِنْ مِهْمَا كَانَ فلاَ أَظُنُّ بِأَنَّ الأمْرَ يَسْتَحِقُ لأَنْ يَصِلَ لِدَرَجِةِ أَنْ نُلاحِظَهُ !! اسْتَأَذَنَنَا بالانْصِرَافِ و غَادَرَنَا بَعْدَ أَنْ اطْمَئَنَّ بِأَنَّ أُمُورَنَا فِي أَفْضَلِ حَالٍ .

عُدْنَا ثَانِيَةً إِلَى طَابُورِ الصَّبَاحِ ، طَالَ الطَّابُورُ فَسَأَلْتُ عَنِ الْمُعَلِّمَةِ الأُولَى ، أَشَارَتْ إِحْدَاهُنَّ لأُخْرَى قَائِلَةً : إِنَّهَا هُنَاك ، و مَا أَنْ اقْتَرَبَتْ مِنَّا حَتَّى أَخْبَرَتْهَا الْمُعلِّمَةُ الَّتِي كَانَتْ بِجَانِبِي أَنَّنَا نَسْأَلُ عَنْهَا ، بَدَتْ فِي غَايَةِ الطِّيبَةِ ، سَلَّمَتْ عَلَيَّ و سَأَلَتْنِي عَنِ الْحَالِ و الأَخْبَارِ ، ثُمَّ سَأَلَتْنِي عَنِ اسْمِي ، و طَلَبَتْ مِنِّي كِتَابَةَ أَسْمَاءِ الطَّالِبَاتِ الْمُتَدَرِّبَاتِ فِي وَرَقَةٍ ، فَعَلْتُ و سَلَّمْتُهَا مَا طَلَبَتْ ، انْتَهَى الطَّابُورُ الصَّبَاحِيُّ مَعَ نِهَايَةِ الحِصَّةِ الثَّانِيَةِ ، الْتَقَيْنَا بالْمُعَلِّمَةِ الأُولَى فِي الْحَصَّةِ الثَّالِثَةِ ، فَرَتَّبَتْ لَنَا مَعَ الْمُعَلِمَاتِ المُتَعَاوِنَاتِ ، سُعِدْتُ كَثِيرًا بالنِّظَامِ و التَّرْتِيبِ .
طَلَبَتْ الْمُدِيرَةُ أَنْ تَجْتَمِعَ بِجَمِيعِ الطَّالِبَاتِ الْمُتَدَرِّبَاتِ و مُعَلِّمَاتِهِنَّ الأَوَائِلِ ، أَرْيَحِيَّةٌ فِي التَّعَامُلِ ، فِكْرٌ رَاقٍ ، أَوْضَحَتْ لَنَا كُلَّ شَيءٍ ، ثُمَّ تَرَكَتْ فُرْصَةَ الْحَدِيثِ للمُعَلِّمَاتِ الأَوَائِلِ ، لَمْ يَجِدْنَ بَقِيَّةً لِكَلاَمِ المُدِيرَةِ ، اكْتَفَيْنَ بِتَأْكِيدِ كَلاَمِهَا ، بَعْدَهَا انْصَرَفْنَا كُلٌّ لِشَأْنِهِ ، فأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ لِقَائِي بِمُعَلِمَتِي الْمُتَعَاوِنَةِ ، إِنَّهَا وَدُودَةٌ ، هَادِئَةُ الطَّبْعِ ، تَعَرَّفْتُ عَلَيْهَا و سأَلْتُهَا عَنْ كُلِّ مَا أُرِيدُ ، و اسْتأْذَنْتُهَا فِي حُضُورِ حِصَّةِ مُشَاهَدَة ، بَدَتْ مُتَرَدِّدَةَ قَلِيلاً إِلاَّ أَنَّهَا سَمَحَتْ لِي بِحُضُورِ الْحِصَّةِ الْخَامِسَةِ مَعَهَا ، و أَخْبَرَتْنِي أَنَّ أُمُورَهَا مُخْتَلِطَة ؛ لأَنَّهَا نَسِيتْ الْمَرْجِعَ الْخَارِجِيَّ للدَّرْسِ ، قُلْتُ لَهَا هَذِهِ أُمُورٌ طَارِئَةٌ و تَحْدُثُ لَنَا جَمِيعًا .
انْتَهَتِ الرَّابِعَةُ ، و هَا هُوَ مَوْعِدِي مَعَ طَالِبَاتِي و مُعَلِّمَتِي ، خَرَجْتُ مَعَهَا ، اسْتأْذَنَتْنِي لِدَقَائِقَ تَذْهَبُ فِيهَا للْمَكْتَبَةِ ، ثُمَّ عَادَتْ مَعَ طَالِبَةٍ رَأَيْتُهَا الصَّبَاحَ تَبْحَثُ عَنْ فَصْلٍ لَدَيْهِ حِصَّةُ احْتِيَاطِي لِتُقِيمَ لِطَالِبَاتِهِ مَشْغَلاً عَنِ الإِذَاعَةِ الْمَدْرَسِيَّةِ ، تَبْدُو طَالِبَةً نَشِيطَةً ، سَلَّمَتْ عَلَيَّ ، و سأَلَتْنِي : مِنْ أَينَ أَنْتِ يَا أُسْتُاذَة ؟ أَجَبْتُهَا بابْتِسَامَةٍ : لَسْتُ بَعِيدَةً عَنْكُمْ ، مِنْ نَزْوَى ، رأَيْتُ سَعَادَةً فِي عَيْنَيْهَا و هِيَ تَقُولُ لِي : الحَمْدُ للهِ مُتَّفِقِينَ إِذَنْ !! رُغْمَ أَنِّي لَمْ أَفْهَمْ مَا تَقْصِدُهُ و لَكِنِّي أَجَبْتُهَا : بِإِذْنِ اللهِ !!
دَقَّاتُ قَلْبِي تَتَسَارَعُ و أَنَا أَخْطُو خُطُوَاتِي الأُولَى دَاخِلَ الفَصْلِ وَرَاءَ الأُسْتَاذَةِ ، لَمْ أَسْتَطِعْ تَرْجَمَةَ مَا يَحْدُثُ لِي ، غَيْرَ أَنِّي تَصَنَّعْتُ الابْتِسَامَةَ و حَاوَلْتُ التَّنَفُسَ بِعُمْقٍ ، سَلَّمْتُ عَلَيْهِنَّ ، فَقَدَّمْنَ لِي قِطْعَةَ حَلْوَى أُلْصِقَ بِهَا وَرَقَةٌ صَغِيرَةٌ كُتِبَ عَلَيْهَا : ( كُلُّ عَامٍ و أَنْتِ بِخَيْرٍ يَا مُعَلِّمَتِي) ، فَسَارَعْتُ للخَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَظْنَ ارْتِبَاكِي ، أَحْضَرْنَ لِي كُرْسِيًّا فَشَكَرْتُهُنَّ .
كَانَتْ حِصَّةً مِنْ أَرْوَعِ مَا شَاهَدْتُ مِنَ الْحِصَصِ فِي حَيَاتِي ، سُعِدْتُ جِدًّا بالْمُعَلِمَةِ التِي فَعَّلَتْ كُلَّ الصَّفِ بِشَكْلٍ مُدْهِشٍ ، و ثَقَافَةِ الطَّالِبَاتِ و فَصَاحَةِ الْكَلاَمِ، كَانَ دَرْسَ أَدَبٍ يَحْكِي عَنْ تَارِيخِ الأَنْدَلُسِ و حَيَاتِهَا الاجْتِمَاعِيَّةِ و السِّيَاسِيَّةِ ، حَقِيقَةً كَمُّ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي اسْتَرْجَعْتُهَا فِي تِلْكَ الْحِصَّةِ كَانَ هَائِلاً جِدًا، و كَافِيًا لأَنْ يَجْعَلُنِي أُقَدِمُ شُكْرًا حَارًّا لَهُنَّ جَمِيعًا ، تَمَنَّيْتُ أَنْ أُشَارِكْهُنَّ النِّقَاشَ و الْحَدِيثَ عَنْ عَهِدِ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ و المُوَحِّدِينَ و العَامِرِيِّينَ و قَصْرِ الْحَمْراءِ ، و مآثِرِنَا الأُخْرَى فِي الأَنْدَلُسِ ، بَدَتْ مَشَاعِرُ أَلَمِ الْمُعَلِمَةِ و انْفِعَالِهَا لأَجْلِ الْمَمْلَكَةِ الذَّاهِبَةِ وَاضِحًا ، و بالأَخَصِ و هِيَ تَتَحَدَّثُ عَنِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي حُوِّلَتْ إِلَى كَنَائِسَ فِيمَا بَعْد . أَحْضَرَتْ إِحْدَاهُنَّ صُورَةً فُوتُوغرَافِيَّةً لِبَعْضِ الآثَارِ الإسْلاَمِيَّةِ بالأَنْدَلُسِ ، مُرِّرَتْ عَلَى الطَّالِبَاتِ ، ثُمَّ قَوَّمَتْ الأُسْتَاذَةُ الدَّرْسَ بِصَحَائِفِ الأَعْمَالِ ، و رّنَّ جَرَسُ السَّادِسَةِ ، قُمْتُ فَشَكَرْتُ الأُسْتَاذَةَ و الطَّالِبَاتِ ، أَبْدَيْتُ إِعْجَابِي و سَعَادَتِي و رَجَوْتُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَنِي بِهِنَّ عَلى خَيْرٍ السَّبْتَ الْقَادِمِ ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ و الفَرْحَةُ تَغْمِرُنِي ، فَثَمَّ كَنْزٌ سَأَسْتَفِيدُ مِنْهُ كَثِيرًا دُونَ شَكٍّ .
انْتظَرْتُ المُعَلِمَةَ حَتَّى عَادَتْ ، صَارَحْتُهَا بِأَنِّي مُعْجَبَةٌ جِدًّا بِمُسْتَوَى الطَّالِبَاتِ و نَشَاطِ حِصَّتِهَا ، ابْتَسَمَتْ و هِيَ تَقُولُ : إِنَّه أَكْثَرُ الْفُصُولِ تَمَيُّزَا ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ مَا سُأُحَضِّرُهُ لَهُنَّ الأُسْبُوعَ الْقَادِمَ ، قَالَتْ لِي : بِمَاذَا تُرِيدِينَ أَنْ تَبْدَئِي ؟ قُلْتَ لَهَا : كُلُّهُ وَاحِد عِنْدِي ، أَعْطِنِي حَسْبَ خُطَّتَكِ ، قَلَّبَتْ أَوْرَاقَ الْخُطَّةِ و اسْتَقَرَّتْ عَلى دَرْسِ النَّحْو ( الْمَفْعُولُ بِهِ ) اطَّلَعتُ عَلى الدَّرْسِ و نَقَلْتُ الْخُلاَصَةَ ، و أَمَدَّتْنِي بِدَلِيلِ الْمُعَلِّمِ ، و إِذَا بِزَمِيلاَتِي يَسْتَعْجِلْنَنِي للرَّحَيلِ فَسَائِقُ الْحَافِلَةِ يَنْتَظِرُ مُنْذُ مُدَّةٍ ، إِنَّهُ رَجُلٌ عَصَبِيُّ الْمِزَاجِ رَغْمَ طِيبَتِه !!
أَخْرَجْتُ هَاتِفِي لأَجِدَ عَدَدًا مِنَ الاتْصِالاَتِ و الرَّسَائِلَ مِنْ زَمِيلاَتٍ لِي يَطْلُبْنَ مِنِّي أَنْ أُخْبِرَ السَّائِقَ لِيَمُرَّ عَلَيْهِنَّ مِنْ مدْرَسَةِ مَارِيَّةِ ، أَخْبَرْتُهُ فَرَدَّ بِلَهْجَةٍ شَرْقِيَّةِ حَادَةٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْؤُولٍ عَنْهُنَّ و أنَّ زَمِيلَهُ سَلْمَانْ ذَهَبَ إِلَيْهِنَّ ، أَخْبَرْتُهُنَّ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُنَّ أَعَدْنَ الاتْصَالَ بِي ؛ لأَنَّ عَمِي سَلْمَان مَرَّ مُبَكِرًا و أَخَذَ بَعْضَ الطَّالِبَاتِ و تَرَكَهُنَّ ، أَخْبَرْتُ السَّائِقَ بِمَا قُلْنَهُ لِي ، إِلاَّ أَنِّي تَلَقَّيْتُ مِنْهُ شُحْنَةً مِنَ الْكَلاَمِ الشَّدِيدِ ، جَعَلَنِي أَتَرَاجَعُ بِبرَاءَةِ الْمُتَعَجِّبِ بِقَوْلِي : ( نِزِينْ عَمِّي خَلاَص آسْفَة ) ، لَمْ يُتِحْ لِي فُرْصَةَ الْحَدِيثِ أَبَدًا ، يَبْدُو شَدِيدًا أَكْثَرَ مِنَ اللازِمِ ، حَاوَلْنَا تَهْدِئَةَ الْوَضْعِ بِسُؤَالِه عَنْ طَبِيعَةِ عَمَلِه ، كَانَ فَخُورًا بِتَسْعَ عَشَرَةَ سَنَةً قَضَاهَا فِي مِهْنَتِه ، ثُمَّ عَادَ لِيَقُولَ لِي : ( لَوْ خَبَّرْنِي دُكْتُورْكُم كِنْتْ أَمُرْ عَلِيهِن ) سَكَتُّ لِتَتَحَدَّثَ زَمِيلَتِي سَائِلَةً إِيَّاهُ : ( عَمِّي إِنْتَ تُعْرَف دُكْتُورْنَا ؟ ) فَسأَلَنَا عَنِ اسْمِهِ فَرَدَّتْ قَائِلَةً : ( طَيِّب واجد اسمه الدكتور .... ) بَدَتْ عَلَيْهِ مَلاَمِحُ الدَّهْشَةِ قَائِلاً ( ... رَاعِي سُرور؟! ) أَجَبْنَاهُ بالإِيجَابِ فَرَدَّ عَليْنَا بِصَلَةِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا لَمْ أَفْهَمْهَا كَثِيرًا و لَكِنَّهَا عَلى كُلِّ حَالٍ مِنْ طَرَفِ الأُمِّ فِيمَا أَحْسِب، لأَنَّهُ مِنَ مَكَانِ مَا فِي ولايَةِ المضيبي لَمْ أَحْفَظْ اسْمَهُ ، كُلُّ مَا أَذْكُرُهُ أَنَّهُ قَالَ : (قولن له يسلمْ عليكْ ... بن ... بن ... ال ... ، هو يعرفني ) . و هَكَذَا عُدْنَا إِلَى أُمِّنَا الْحَنُونِ ثَانِيَةً يَسْتَحِثُّنَا الأَمَلُ نَحْوَ الرُّقِيِّ و التَّمَيُّزِ .





الأَحَدُ السَّابِعُ مِنْ شَهْرِ صَفر لِعَامِ 1428 هــ المُوَافِقُ للخَامِسِ والْعِشْرِينَ مِنْ شبَاط/فِبْرَايِر لِعَامِ 2007 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق